الثلاثاء، 28 فبراير 2012

حوار بعض احزاب المعارضة والنظام، ماله وما عليه


دخلت ثلاثة من الاحزاب التي كانت منضوية تحت لواء منسقية المعارضة (التحالف الشعبي التقدمي، الوئام، حمام) في حوار مع الاغلبية الداعمة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، استمر ما بين ما بين 17 سبتمبر و 19 أكتوبر 2011، وقد خرج المحاورن منه بوثيقة اتفقوا عليها.
وقد تباينت الآراء بين المحاورين ومقاطعي الحوار، في تقييمهم لمبدأ الحوار، ولنتائجه، ولامكانية الثقة في الطرف المُحَاوَر.
وفي هذه المنبر (سجال) نورد لكم وجهتي النظر، المقيمتين للحوار ايجابا وسلبا:

الحوار جاء بعد فشل قوى المعارضة الموريتانية في استنساخ ثورات الشارع العربي/ الدكتور الشيخ ولد حرمة


يعرف الحوار بأنه اتصال بين شخصين أو أكثر أو فريقين يمتلك كل منهما وجهة نظر خاصة به حول موضوع مشترك يهم أفراد  المجتمع وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة مجمع عليها تحقق الصالح العام.
و على هذا الأساس يشكل الحوار فضيلة و قيمة مضافة ومنطلقا قارا للعمل التشاركي من أجل التأسيس والبناء ضمن إطار المنظومات القيمية التي تسعى الشعوب والأمم بواسطتها إلى تدعيم أرضية للتوافق.
وأيا كانت درجة وعي الشعوب والمجتمعات، يظل اعتماد آلية الحوار السبيل السالك و الطريق القاصد  لبسط كبريات المشاكل الوطنية بحثا عن حلول توافقية تعصم من مغبة الانسداد و التفرد بالرأي حيث يتحمل كل طرف من أطراف الحوار جزء من مسؤولية  القرار.
انطلاقا من هذه المسلمات  وحرصا على إتاحة الفرصة أمام الجميع للمساهمة كل من موقعه في بناء وطننا الغالي جاءت دعوة  فخامة رئيس الجمهورية إلى الحوار لتشكل سابقة في التعاطي مع الشأن العام ولتؤسس لعهد جديد من الممارسة السياسية تغيب فيها ثقافة المحظور وتنمحي فيها أساليب الإقصاء والتهميش من أجل مناصحة صادقة و مصارحة خالية من الأحكام المسبقة.
دعوة  فخامة رئيس الجمهورية للحوار تجد مصداقيتها في الانجازات التي حققها الداعي للحوار في فترة وجيزة وعلى أكثر من صعيد والتي جعلت من المواطن محورا للسياسات التنموية وهدفا لكل تقدم ونماء بعد أن ظل طيلة الخمسين سنة الماضية على الهامش. دعوة تجد مصداقيتها في اضطلاع رئيس الجمهورية شخصيا بهموم شعب الريف ومواطني الأحياء الهشة وقربه من فقراء الشعب وطبقاته المسحوقة وتحسسه لآلام المرضى والمصابين في تجسيد رائع لقيم المسؤولية  وإحساس نبيل بأنه المسئول غدا أمام الله عما يحدث، مستلهما قول  الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد لها الطريق".
للكلام عن الحوار الوطني و مضامينه  سياقه و نتائجه لا بد من الحديث    و لو بإسهاب عن المناخ الدولي و الإقليمي.
إن موريتانيا اليوم توجد في محيط إقليمي يمتاز بحدث هام يتمثل في ثورات الربيع العربي.
لقد "تطوعت" الجماهير العربية في تونس ومصر وليبيا، بطرد أولئك الذين انصبت كل همومهم،  طوال عقود من الزمن على محاصرة لسان ومعدة المواطن العربي الفقير.
حدث جلل اهتز له العالم، من شرقه إلى غربه، فشماله فجنوبه المترح بآلام سينفونية الإخفاقات التي عزفتها نخب الفساد والكراسي على ما تبقى من أعصاب الشعوب المطحونة.
إن موريتانيا جزء لا يتجزأ من عالمنا العربي، لكنها جزء رائد في صراع القمع والصراع من أجل الحرية.
لقد سبقت موريتانيا الجميع بحركتي 3 أغسطس 2005             و 6 أغسطس 2008، كان هنالك شاب وطني استوعب حتمية نهاية فلسفة القمع و الإذلال، فقرر المخاطرة  من أجل التغيير.
إن ذلك الشاب الموريتاني الذي استبق الربيع العربي بثماني سنوات هو محمد ولد عبد العزيز، لقد كانت النخبة التي تتمتع اليوم بامتيازات التغيير نائمة حين منحها الفرصة للجلوس إلى طاولة تقرير المصير الوطني الذي كان قبل عزيز "صناعة شخصية " لا يشارك فيه السياسيون ولا المواطنون، بينما كان المثقفون وكأنهم غير معنيين إطلاقا بغير تأمل ذهني مشكوك في السلامة العقلية لصاحبه.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز انتخب بشكل شفاف ونزيه قبل بضع وعشرين شهرا فقط، ولديه أغلبية برلمانية سبقته في الانتخاب، وأغلبية حزبية، وإنجازات تعد بالمئات وليست مقتصرة على أصابع اليد كما هي مؤشرات العد التقليدي لإنجازات حكام البلاد السابقين..
إن الوضع الاقتصادي الموريتاني يشهد ثورة حقيقية من خلال  مشاريع وطنية تعد بالمئات في شتى المجالات: الصحة و الإسكان        و التعليم و المياه و الكهرباء و الطرق و الزراعة و البيئة           و الأمنين الغذائي و القومي.
إن تخصيص الحكومة لخطة ممولة بعشرات المليارات لمواجهة تحدي الجفاف الطارئ ، وقبل أن ينتهي ما هو متوفر من مراعي هذه السنة، دليل على قدرة الاقتصاد الوطني بتسييره الجديد على التفاعل مع التحديات ومواكبتها بالسرعة القياسية اللازمة.
إن 300 شركة من شتى أنحاء العالم تقوم بأعمال التنقيب والاستخراج ما يؤكد تحول موريتانيا إلى بلد معدني وثرواتي، وإلى أن الشعب الموريتاني سيحصد هذه الثقة العالمية في نظامه واقتصاده خلال وقت قصير من خلال عائدات التنقيب والاستغلال ورفع أداء قطاع التشغيل.
إن هؤلاء المستثمرين لا يضعون ثقتهم إلا في نظام قوي، شاهدوه ينجح في بناء علاقات إقليمية ودولية مع شتى بلدان العالم، ويقود الجهود الإقليمية لإحلال السلام في هذا البلد أو ذاك، وشاهدوه يبني جيشه ويسلحه، ويفرض الأمن والاستقرار، وكدليل فقط لا توجد اليوم دولة مهما كانت في الساحل إلا وتتواجد كتائب القاعدة على أراضيها باستثناء موريتانيا التي نجحت في تطهير أراضيها من وباء الإرهاب وفي ظرف قياسي لم يتجاوز بضعة أشهر.
إخوتي أخواتي
تعلمون أن هذا الحوار جاء بعد فشل قوى المعارضة الموريتانية في استنساخ ثورات الشارع العربي و إسقاطها على واقعنا الذي لا يمت بصلة إلى واقع هذه الدول. تلك المحاولات المتكررة والحملات المغرضة لتمرير هذه التمثيلية الفاشلة  لم تقنع شارعا موريتانيا عاد لتوه من صناديق الاقتراع الشفافة.
ومن هنا فإن جلوس الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى طاولة الحوار لا يأتي تحت ضغط شارع داخلي، مطالب بالتنازل أو الاستقالة، كما هو الحال في بلدان أخرى، بل إن الشارع الموريتاني هو الذي أفشل محاولات الاستنساخ عندما رفض النزول للشارع، وظل متمسكا بنظامه الوطني المنتخب.
عند هذه اللحظة التي فشل فيها الخصوم السياسيون في تغيير مجرى النهر الشعبي الذي اختار نظامه في 18 يوليو 2009، بادر الرئيس إلى طاولة الحوار دون شرط ودون قيد، ووضع مصير نظامه رهن الحوار الحر، فكان ذلك التعالي على الشخصنة هو ملهم النتائج التي توصل إليها الشركاء الوطنيون في هذا الحوار الميمون الذي أحس المشاركون فيه أن المصلحة الوطنية العليا هي محدده ومحفزه.
باختصار الرئيس يجلس إلى طاولة الحوار في ذروة قوته السياسية، فهو النظام العربي الوحيد الآمن من ثورة شعبية، لأنه نتيجة الثورة والتغيير والانتخاب.
إن نظاما منتخبا يحقق حزمة مشاريع نوعية، ويحظى بدعم الأغلبية المطلقة، ويعيد لموريتانيا روحها الوطنية والحضارية، كان في غنى عن فضاءات الحوار والتنازلات لخصوم هزمتهم صناديق الاقتراع.
لكن ذلك ليس فلسفة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فهو من النوع الذي يطمح للاستماع لأي مواطن ومشاركة كل مواطن في بناء بلده، أحرى إذا كان هذا المواطن من النخبة السياسية التي يفترض أنها ذات مسؤولية وطنية مضاعفة.
إنه رجل حوار، يؤمن بالديمقراطية التي تتسع فوق سقف صناديق الاقتراع لترسي سنة التشاور الدائم، ولتطمئن قلوب كل الموريتانيين إلى أنه لا إقصاء ولا تهميش لأي كان في موريتانيا الجديدة القائمة على ضمير الجمع، لا تلك التجارب السابقة التي أوغلت في عمليات الطرح والتقسيم والمضاربة.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يؤمن تمام الإيمان أن الحوار والتشاور هو الشرايان الحيوي المغذي لكل حكم ناجح، وكل ديمقراطية مؤصلة، وكل تجربة تنموية رائدة.
ومن خلال مسلسل لقاءات وملتقيات الحوار التي شهدتها البلاد خلال السنتين الماضيتين، يتضح جليا أن ثقافة الحوار الوطني تجاوزت دور التنظير إلى دور التحقيق من خلال ما توج به الحوار الوطني من نتائج فاقت كل التوقعات، وحققت منعطفا تاريخيا يفوق كل ما حققته الحوارات الوطنية طيلة تاريخ الدولة، حتى وإن تم ذلك بدون ضجيج مباهاة، لأن الطحين هو ما يهم في النهاية و لا ضير إن حصل بلا ضجيج...
نجح الحوار الوطني الموريتاني الأول من نوعه في تاريخ بلدنا. نعم؛ على الرغم من وجود المثبطين و المشككين و المستهترين  و المستهزئين الذين جعلوا الحوار عضين نجح الحوار الوطني بجهود الخيرين المؤمنين بالوطن المتجاوزين للأغراض الذاتية والمصالح الأنانية و الاعتبارات الفئوية التي طالما تحطمت على صخرتها الصماء كل المحاولات التحاورية، فالتقت إرادة الإصلاح لدى الأغلبية والمعارضة الناصحة الناضجة فجاء توفيق الله جزاء وفاقا لحسن النوايا و سلامة القصد وابتغاء الإصلاح مصداقا لقول الله تعالى: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما". و وعده تعالى: "إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا". و قوله صلى الله عليه و سلم: (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف )).
سيبقى التاسع عشر أكتوبر 2011، اليوم الذي سجل فيه الموريتانيون سابقة في تاريخهم بتتويج الحوار النموذجي باتفاق سياسي بين الأغلبية الرئاسية وأحزاب المعارضة.
إن رمزية و تاريخية هذا الحدث تستمد أهميتها من عدة نقاط، لعل من أبرزها أن هذا أول حوار وطني من نوعه في موريتانيا يجري بين نظام منتخب ومعارضته، دون وسيط من طرف خارجي، لا في دكار ولا في غير دكار.. حوار غير مشروط دون ضغوط، ودون محظور و لا محاذير، دون خطوط حمراء و لا "مزايدات".
بل لعله أول حوار جدي يضع أسسا سياسية وقانونية ودستورية لتحديث النظام السياسي والتنموي في البلاد، وهو ما لم نشاهد له مثيلا في طاولاتنا الحوارية السابقة التي اقتصرت على"حوارات المراحل الانتقالية" المجزوءة والمضغوطة بعاملي التوقيت        و السلط الاستثنائية.
إن نتائج هذا الحوار في محصلاته الفنية، تتحدث عن نفسها في الوثيقة الموقعة بين طرفي الحوار، و العابقة بشتى الإصلاحات، التي تمس أدوار: المؤسسة التنفيذية والتشريعية والرقابية، مؤسسة رئاسة الوزراء، الجيش، الأحزاب، البرلمان، الإعلام، الحكم الرشيد، المرأة، العبودية، حقوق الإنسان، الوحدة الوطنية، المدونة الانتخابية، الإرهاب،.. وكثيرا مما تعدون.
فهذه العناوين الكبيرة الواردة في الاتفاق تدل على أنه حوار اخترق الخطوط الحمراء، وتجاوز السقوف الأفقية والعمودية نحو المصالح الجوهرية لموريتانيا المستقبل..
أن نتائج الحوار قلبت كل الدعايات المغرضة على أعقابها، تلك الدعايات التي روجت لاستحالة تنازل الرئيس في هذه النقطة أو تلك، ليكشف الحوار عن الجوهر النفيس لتفكير الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي قدم تنازلات كبيرة لمصلحة البلاد وتطوير مؤسستها السياسية والتشريعية، مؤكدا مرة أخرى أنه رجل وطني يؤدي دوره التاريخي، وينشد مصلحة بلده وشعبه بكل استعداد للتضحية، إنها ميزة التضحية التي دفعته أكثر من مرة لوضع روحه على كفه كل ما دعت الضرورة لذلك.
نقطة أخرى يجب عدم إغفالها، وهي أن نتائج الحوار لم تترك للمساومين فرصا كثيرة للبقاء والمساومة في سوق القلاقل، فرئاسة الحكومة أصبحت مسئولة أمام للبرلمان المنتخب، يقيلها أو يزكيها، اللجنة المستقلة للانتخابات تتحكم في المسار الانتخابي من بدايته إلى نهايته دون تدخل و لا وصاية أي كان، السياسة محرمة على الجيش، الأحزاب ممولة ومدعومة الدور، والتشرذم السياسي (الترحال والترشح المستقل) انتهى إلى غير رجعة، مع إعادة تشكيل المجلس الدستوري، والسلطة العليا للإعلام لتكون تشاركية مضمونة الحياد.
إن "الحوار الوطني" الذي انتهى إلى ثورة أفكار وإجراءات إصلاحية جريئة، وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، إن كان يدل على شيء، فهو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز رجل حوار بامتياز، مستعد للحوار اليوم، وغدا، وبعد غد، إنه رجل استوعب الأهداف العليا لمسؤولية الحكم وتسييره، وأول تلك الأهداف أنه يضع نفسه رهن أي إجماع وطني.

ضمن نتائج هذا الحوار هناك نقطة جوهرية لا تقل أهمية عن النتائج المذكورة أعلاه و هي أن الحوار إعادة ثقة في القوى السياسية الوطنية المعارضة، وإشراك حقيقي لها في إدارة الشأن العام عبر تنفيذ تصوراتها مما يثري البرنامج الانتخابي للرئيس الفائز، ويوسع رؤية الإصلاح التي توضع هذه المرة خارج سياق الحملات الانتخابية وضغط صناديق الاقتراع.


أيها الإخوة و الأخوات

ثمة إخوة لنا في الدين والوطن، إخوتنا في الديمقراطية سيقولون لكم إنه حوار هزيل، فاقد للشرعية و المصداقية لأنهم تخلفوا عنه  و قاطعوه و لأنه لم يلتئم تحت مرجعية و وصاية أجنبية و إنه خدعة  وإنه للتغطية، و إن قراراته ستموت في المهد، و إنه كذا   و كذا من الانتقادات المغرضة و الحجج الواهية التي لا تقنعهم أنفسهم  أحرى غيرهم و يقولون إن الغرض منه إنما كان لإقصاء فرد أو مجموعة ممن رضوا بأن يتخلفوا. لا نعيب عليهم خياراتهم فعليهم ما حملوا و علينا ما حملنا... و الله يتولى السرائر و هو من وراء القصد...  فالتاريخ كفيل بإصدار حكمه على من شذوا عن الإجماع الوطني، و عن جماعة الشورى و الحل و العقد. وجهوا لهم سؤالا: لماذا لم تشاركوا في الحوار خدمة للوطن فتثروه "بآرائكم النيرة و أفكاركم الملهمة" و تقوموا "مساره المعوج"     و تجنبوا إخوانكم من المعارضة المتحاورين "القاصرين" بزعمكم من زلة قدم و إضاعة الوقت مدة شهر من الزمن في أشياء عبثية؟ سلوهم: إن كنتم حقا مهتمين بالشأن العام و بمصير الوطن لم لم تشاركوا في الحوار كي  تفضوا  عليه الشرعية و المصداقية المفقودتين و المشروطتين بحضوركم خدمة لوطنكم؟ أليس من ازدواجية المعايير أن تشاركوا في الانتخابات التي لم ترحمكم، ولا يتنازل فيها صندوق الاقتراع، وتقاطعوا حوارا وطنيا لا خطوط من أي لون تحيطه و لا محظور يحده و لا سقف فيه للمزايدات يعيبه؟
لماذا قبلتم نتائج الاقتراع، ورفضتهم نتائج الحوار؟.. ربما لأن الحوار ثمرة وطنية، وليس مكسبا شخصيا. وربما لأن إخوتنا في الديمقراطية، والله يفضل البعض على البعض في الفهم الديمقراطي، لا يسعون لاستيعاب رسائل المرحلة ولا عنوان بريدها.. فانتظروهم عند صناديق الاقتراع في "صلة رحم انتخابية" أخرى.. وبعد سنة من الانتخابات القادمة سيطلبون الحوار ويروجون له منقذا وطنيا حتميا ثم يرفضون الدخول فيه ويتنكرون لنتائجه.. وهكذا فالقصة تتكرر.
لكن نذكر إخواننا في الدين و الوطن و الديمقراطية و من آثر خويصة نفسه على مصلحة الوطن أن للتاريخ عيونا ناظرة باصرة وآذانا واعية صاغية و فؤادا مميزا ناقدا و أقلاما ساطرة حاصية لا تغادر صغيرة و لا كبيرة، ترصد و توثق الفعل الجمعي للأمة،       و تسطر سير الرجال و تكتب ما قدموا و آثارهم. فالتاريخ لا يرحم و الصحف لا تبلى و الديان لا ينسى. كما تدين تدان. فالصحف لا محالة معروضة و الأسرار منشورة و الخبايا مكشوفة. فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. فما المرء إلا حديثا بعده فكن حديثا حسنا.

(من خطاب للدكتور الشيخ المختار ولد حرمة بمدينة لعيون يوم الجمعة 25/11/2011)



على الشركاء في الحوار و "الديمقراطي" عزيز نفسه، أن يتذكروا دائما أن عزيز هو المدبر الرسمي لانقلابين عسكريين (2005 و 2008) ، و أنه، بين هذين التاريخين،  حاك انقلابا "دستوريا"./منسيقة المعارضة

.

علينا أن نتذكر أنه بعد الانتخابات الرئاسية في يوليو2009 ، اتحدت المعارضة في منسقية المعارضة الديمقراطية (COD) ، ودعت إلى "حوار شامل" على أساس الاتفاق  الذي تم التأشير عليه بالأحرف الأولى في داكار و التوقيع يوم 4 يونيو 2009 في نواكشوط من طرف الأقطاب الثلاثة(الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، تكتل القوى الديمقراطية وقطب محمد ولد عبد العزيز) تحت إشراف المجتمع الدولي. 
ويقول اتفاق داكار : " لا يضع هذا الاتفاق نهاية لمواصلة الحوار الوطني حول النقاط الأخرى التي من شأنها أن تدعم المصالحة الوطنية و الديمقراطية. و امتدادا للانتخاب الرئاسي، ستتم مواصلة و تكثيف الحوار الوطني الشمولي بين جميع القوى السياسية الموريتانية وذلك أساسا من أجل:
* تعزيز قواعد و ممارسة الديمقراطية التعددية، و كذا الوقاية من التغييرات الحكومية الغير دستورية؛ بما في ذلك إصلاح المؤسسات الأمنية الوطنية.
* ترقية الحكامة الرشيدة السياسية و الاقتصادية و دولة القانون و احترام حقوق الإنسان؛ و انجاز و اعتماد إصلاحات من شأنها توطيد سير وتوازن مؤسسات الجمهورية. (...)"

وكان رد الرئيس محمد ولد عبد العزيز آنذاك على لسان أحد الناطقين باسمه، هو أن هدف اتفاق داكار الوحيد كان الانتخابات الرئاسية ، وبانتهاء تلك "الانتخابات"، فإن النظام الجديد الذي انبثق عنها لم يعد معنيا بأي حال بذلك الاتفاق.

وهو بذلك يعترف بأن الأمر كان مجرد خدعة: اتفاق دكار لم يشكل في الواقع، و من منظور الرئيس المنتخب، إلا مكيدة هدفها تسهيل حصول محمد ولد عبد العزيز على "الشرعية" باقتراع مزور ليتحول من ضابط انقلابي إلى رئيس للجمهورية "منتخب بصفة ديمقراطية".
و هكذا، كان من حق المعارضة بعد ذلك أن تخشى من أن الدعوة للحوار التي أطلقها أخيرا محمد ولد عبد العزيز دون الإشارة إلى اتفاق داكار وتحت ضغط الانتفاضات الشعبية في أفريقيا والعالم العربي والاستياء الواضح للشعب الموريتاني، ليست سوى خدعة جديدة هي الأخرى.

وعلى الرغم من ذلك ، فقد استمررنا في المعارضة الديمقراطية، في الاعتقاد بأن مسؤولياتنا كفاعلين سياسيين  وأمن البلد وسلمه الأهلي، تحتم علينا تخيير الحوار باعتباره أفضل وسيلة لإخراج البلاد من الأزمة المتعددة الأوجه التي تتخبط فيها.

على أن يكون الهدف من ذلك الحوار هو إصلاح الدولة من خلال إعادة بناء قواعدها السياسية والمؤسسية على أسس ديمقراطية حقا، بحيث يصبح من الممكن نقل سلمي للسلطة، و ضمان للتعددية السياسة التي حددها الدستور، وإرساء لدولة الحق و العدالة بجميع مميزاتها ؛ تكافؤ الفرص بين الجميع والشفافية السياسية والاقتصادية.

إن حوارا كهذا، إذا كان جادا، لا يمكن أن يقبل بالترقيعات التي لا تأثير لها على الممارسة الديمقراطية، ولا بالتعديلات التي لا معنى لها في ضوء أهمية الإصلاح الشامل لنظام الحكم.

إن تجارب الماضي المريرة علمتنا أنه من أجل استعادة الثقة بين الشركاء في هذا الحوار، فإنه من واجب السلطة الحاكمة، وهي الماسكة بكل شيء والمسئولة عن كل شيء، أن تقدم تعهدات تقنع بحسن نيتها وإشارات ملموسة تدل على استعدادها.

كانت ردود رئيس الدولة على مطالبنا العادلة هي رفض أي إشارة إلى اتفاق داكار والقمع المستمر و الشرس للتظاهرات السلمية المنددة بالظروف المعيشية المزرية للمواطنين، و شذوذ الإحصاء، و احتكار وسائل إعلام الدولة ، وتحويل الإدارة إلى أداة سياسية، وتسارع الاختلاس المنتظم لثروة وممتلكات البلاد، والتدجين الواضح للسلطة القضائية، والتسييس المستمر للجيش وقوات الأمن، وأخيرا التمادي في اعتبار الحوار اجتماعا بسيطا بين المعارضة وأغلبية لا تتمتع بسلطة اتخاذ القرارات و لا تقدر على إعطاء الضمانات.

يمكن بادئ ذي بدء وبكل سهولة تفهم أسباب رفضنا المشاركة في المهزلة التي وصفت تجاوزا ب "حوار وطني بين الأغلبية والمعارضة"، في حين أن 3 فقط من بين 13 حزبا وحركة تشكل منسقية المعارضة الديمقراطية هي التي استجابت لدعوة السلطة.
***
و كانت تشكيلاتنا العشر قد جددت في بيان صادر يوم 13 سبتمبر 2011، استعدادها للمشاركة في "حوار هادف بمجرد أن تجتمع الظروف و المقدمات المعينة". كما عبرنا عن "استعدادنا لتقييم الأمور ومراجعتها في كل مرة يحصل فيها تقدم يذكر نحو الأخذ بالشروط التي وضعناها".

لقد اختتم الآن "الحوار" بين الثلاثة أحزاب من منسقية المعارضة الديمقراطية والأغلبية السياسية لمحمد ولد عبد العزيز، وذلك بعد أكثر من شهر من المناقشات.

ما هي نتائجه؟ وما هي الفائدة من تلك النتائج بالنسبة إلى المحاور الست التي تم الاتفاق عليها بين أطراف الحوار؟ هذا هو ما سنبحثه الآن لتنوير الرأي العام الوطني وتوفير العناصر الضرورية للمراقبين الأجانب لتمكينهم من إجراء تقييم منصف وواقعي للأمور.

1- "الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي"

بخصوص هذه النقطة، فإننا لا نجد على الإطلاق شيئا ملموسا أو جديدا مقارنة مع الترتيبات الدستورية الحالية و هي كالتالي :

المادة الأولى: موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ، ديمقراطية واجتماعية. تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي.

المادة 5: الإسلام دين الشعب والدولة.

المادة 6: اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية.

المادة 10: تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص: (...)حرية الرأي وحرية التفكير؛ حرية التعبير(...)؛ حرية الإبداع الفكري والفني والعلمي. لا تقيد الحرية إلا بالقانون."

أما بالنسبة "لطابع التعدد الثقافي لشعبنا"  و "الحق في الاختلاف" و " تطوير لغاتنا الوطنية" فمن خلال ترسيخ الديمقراطية وممارساتها اليومية وحدهما سنتمكن  من تثمين خصوصياتنا الثقافية باعتبارها تراثا مشتركا ويتسنى لكل واحد منا التعبير عن تلك الخصوصية دون قيود وممارسة حقه في الاختلاف.

لم نسجل في هذه الفقرة ولا في الفقرات الموالية شيئا يذكر و لا ملموسا بخصوص الإصلاح الديمقراطي من شأنه ترجمة هذا التوجه إلى الواقع.

و فيما يعني الرق و مخلفاته و النص على تجريمه فعلى أهمية ذلك فلا توجد هناك مقترحات ملموسة ولا محددة لإصلاح الحكامة والعمل على ترجمة القوانين المتخذة في هذا المجال إلى أفعال، من قبيل  :

-  التصنيف القانوني المحدد للممارسات الاستعبادية ؛

-  تحديد الإجراءات الاقتصادية و الثقافية والاجتماعية المستقاة من التمييز الايجابي لصالح الحراطين و آدوابه.
من جهة أخرى،  تم تماما تجاهل مشكلة المبعدين والإرث الإنساني، و مشكلة الجفاف والتصحر، و مشكلة ظروف حياة المواطنين التي أصبحت صعبة؛ وكلها مسائل لها تأثير جلي على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.

2- "تعزيز الديمقراطية وإصلاح القضاء، و المجال السمعي البصري ووضعية المعارضة"
2.1 . تعزيز الديمقراطية

- الفصل بين السلطات : لم يرد أي اقتراح من شأنه أن يصحح الوضع الحالي الذي يتسم بتهميش البرلمان وتدجين السلطة القضائية.

-  وفي مجال السلطة التنفيذية، فإن الاقتراح الوحيد، و هو في الحقيقة لا يأتي بجديد، هو أن إعلان الوزير الأول عن سياسة حكومته العامة يخضع لمناقشة وتصويت البرلمان.  أما مفهومي "مسؤولية الوزير الأول أمام البرلمان" و "عريضة حجب الثقة عن الحكومة" فقد بوبت عليهما على التوالي المادة 43 والمادتين 74 و 75 من الدستور.

وأما تقوية سلطات الوزير الأول و الحكومة (التي لا بديل عنها في السلطة التنفيذية)  عن طريق تعديلات دستورية هامة تتعلق بمنح الوزير الأول سلطة تحديد و تنفيذ سياسة الأمة، وتوسيع صلاحيات الوزير الأول، ومجلس الوزراء و الوزراء في المجال التنظيمي وفي مجال التعيين في الوظائف المدنية و العسكرية، و نيابة الوزير الأول عن رئيس الجمهورية في حال غيابه، والعلاقات الدستورية المباشرة بين الوزير الأول والحكومة مع الغرف البرلمانية؛ كل هذه الأمور لم تتطرق الحوار إلى مناقشتها.

-  المجلس الدستوري : لم يُقترح أي شيء للحد من نفوذ الرئيس على هذه المؤسسة الدستورية، التي من المفترض أن تكون مستقلة وذات سيادة.

الإجراء الوحيد الذي تم اقتراحه، هو الذي زاد عدد المستشارين من ستة إلى تسعة ومازال تعيينهم يجري بنفس النسب من قبل الرئيس ورؤساء الغرف (4-3-2) ، مما سيؤدي إلى تعزيز أكثر لنفوذ رئيس الجمهورية على المجلس الدستوري.

بالنسبة لنا، كان ينبغي أن يكون الهدف بعد تغيير تشكيلة المجلس من خلال إدخال أعضاء  يعينهم الوزير الأول و المجلس الأعلى للقضاء، و السلك الوطني للمحامين ، بالإضافة إلى أولئك الذين يعينهم رئيس الجمهورية و رؤساء الغرف، أن يجعل هذا المجلس ذا سيادة حقيقية واستقلالية تامة عن أوامر رئيس الدولة للفترة، بحيث يكون رئيسه منتخب من داخله. 

هكذا سنتجنب على سبيل المثال تكرار الأعجوبة التي وقعت قبل سنتين عندما وجد المجلس الدستوري نفسه، بأمر من رئيس الجمهورية في انتهاك صارخ منه للسيادة الوطنية التي يرمز إليها، مستدعى ومأمورا على التوالي من قبل رئيسي دولتين أجنبيتين.

2.2. إصلاح العدالة : 

الأمر الوحيد المزمع القيام به، ودون تحديد أكثر، هو "إعادة النظر في تركيبة وأداء المجلس الأعلى للقضاء ".

أية تشكيلة ؟ أية رئاسة وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية؟ أي تمثيل للقضاة، والمحامين و الأشخاص المختارين خارج السلكين البرلماني والقضائي؟ هذا هو ما لم يكترث به "الحوار الوطني ".

كما لم يكترث في أي حال من الأحوال بإصلاح السلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاء أو إمكانية إنشاء مجلس للدولة لينظر، بصفة نهائية، في النزاعات الإدارية و يضبط المعايير التنظيمية وينسق فيما بينها.

2.3.  المجال السمعي البصري العمومي :

هنا، يُميع مفهوم المعارضة، حيث يتم الاعتماد على قاعدة تتحدى كل منطق، ألا وهي أن تمثيل المعارضة داخل الجهاز الإداري للهيئة العليا للصحافة و السمعيات البصرية يتناسب مع تمثيلها في الجمعية الوطنية التي هي فيها أقلية أصلا بوصفها معارضة، وبالتالي فإن اختيار مديري التلفزيون والإذاعة، يبقى بحكم الواقع حكرا على السلطة الحاكمة.

و تم تمييع هذا المفهوم أيضا من نفس الرؤية، حيث تعطى المعارضة ثلث توقيت البث ويذهب الباقي إلى السلطة وأغلبيتها، و لا شك في أن النظام و أغلبيته في الهيئة العليا للصحافة و السمعيات البصرية سيضعون ذلك الثلث في أقل فترات البث متابعة.

وعلى أية حال، فقد جرت العادة بأن تكون الأغلبية و المعارضة على قدم المساواة في الولوج إلى وسائل الإعلام العمومية ، بعد خصم الوقت المخصص لرئيس الجمهورية والحكومة لتدخلات غير سياسية.

و لم ترد أية إشارة للنقاشات التي جرت منذ بضعة أشهر عن اجتماعات بين الهابا و منسقية المعارضة الديمقراطية والتي تضمنت، من بين إصلاحات أخرى، إلغاء وزارة الإعلام.
و لم ترد أيضا أية إشارة لطرائق تحرير المجال السمعي البصري و لا إلى تشجيع الصحافة، عموما، في إطار مدونة أخلاقية متفق عليها.

2.4 . وضعية المعارضة:

كان الغرض الوحيد هنا فيما يبدو هو استبدال الرئيس الحالي لمؤسسة المعارضة الديمقراطية.

و بما أن هذا المنصب يعود بالضرورة إلى الحزب الأكثر تمثيلا في الجمعية الوطنية، فإنه لا يمكن تفسير و لا تبرير فرض خيار محدد مسبقا على ذلك الحزب.

أما تعزيز دور هذه المؤسسة في المجال السياسي خدمة للديمقراطية، و زيادة مواردها المادية لتمكينها هي و تمكين الأحزاب المكونة لها من أن تلعب الدور الذي تخوله المادة 11 من الدستور للأحزاب السياسية كاملا، فلم يتم التطرق إليه بتاتا.

و لم ترد حتى إشارة واحدة إلى تمادي النظام في الامتناع عن اتخاذ المراسيم المنفذة للقانون المنشئ للمؤسسة، والذي بدونه، تجد المؤسسة عملها الإداري و أنشطتها السياسية في حالة شلل تام.

ولم ترد أية إشارة إلى رفض النظام الامتثال للترتيبات القانونية ذات الصلة ، فيما يتعلق بالتزامات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة بإجراء مشاورات دورية منتظمة مع هذه المؤسسة.

3 – "المدونة الانتخابية"
3.1.  اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات :

إن الجهود المبذولة لجعل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مستقلة تبقى ظاهرية فقط، لأنه تم إلى جانب تلك اللجنة، إنشاء مديرية عامة لخدمات دعم العملية الانتخابية تابعة لوزارة الداخلية  تشمل جميع المصالح والهياكل الإدارية المشاركة في تنظيم الانتخابات".هذه المديرية هي " المسئولة عن إعداد و حفظ السجل الانتخابي (تسجيل الناخبين ، تحليل ، معلومات شخصية عن كل ناخب..."

عندما نتذكر أن إعداد السجل الانتخابي كان دائما يشكل فرصة لجميع أشكال عبث الإدارة بالانتخابات، يحق لنا التساؤل عن الضمان الذي يقدمه للأحزاب السياسية المتنافسة إعداد القائمة الانتخابية من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات على أساس هذا السجل، علما بأنها مجبرة، في الواقع على اعتماد معلومات الإدارة لأنها لا يمكنها التحقق من مصدرها.

كما يحق لنا التساؤل أيضا  عن السلطة و القدرة على " مقاومة" التلاعب المعهود لإدارتنا التابعة أصلا للأنظمة الديكتاتورية التي يتمتع بها أعضاء مديرية اللجنة السبعة أمام السلطة السياسية والمادية للدولة، المجسدة في المديرية العامة لخدمات دعم العملية الانتخابية التي تتقاسم، إضافة إلى ذلك ، مع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مسؤولية إعداد دفتر المواصفات الذي يتم على أساسه اقتناء الأدوات الانتخابية (صناديق الاقتراع، والحبر، بطاقات التصويت، الأغلفة، الخ...).

نحن نعرف عن طريق التجربة أن تسليم، واستلام، وتخزين، وإرسال الأدوات الانتخابية إلى مراكز الاقتراع، وهي مسائل نظريا تندرج في صلاحيات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ستتم، في الواقع، حسب هوى الإدارة.

وعلاوة على ذلك، فقد أبدى نظام محمد ولد عبد العزيز خلال الانتخابات الرئاسية في يوليو 2009، عدم اكتراثه بالالتزامات التي أخذها في هذا الشأن أمام المعارضة الوطنية والمجتمع الدولي مجتمعين.

إن هدفنا نحن، هو أن لا تكون اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مستقلة فحسب، بل و أن تتمتع أيضا بالسيادة من أجل إصلاح انتخابي شامل ، و أن نعيش يوما ما تحت إمرة إدارة مهنية ومحايدة، حتى يتسنى لنا الاستغناء عن الهيئات الاستثنائية مثل اللجان الوطنية الانتخابية التي يلجأ إليها  في البلدان التي مازالت تتدرب على الديمقراطية.

وفي انتظار ذلك، فإن إصلاح اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات هو ضرورة، و لا يمكن فصله عن الإصلاح الشامل لنظام الحكم عندنا بأكمله، و هو ما تصمم أحزابنا على إحداثه.

3.2 .الطرائق الانتخابية : 

تحت هذا البند  تقدم الوثيقة الختامية للحوار مجموعة من التدابير من شتى الأنواع والأشكال، تتلخص في العودة الواضحة إلى القوانين والنظم السارية في ظل الأنظمة السابقة، دون أن يتم شرح الفائدة من ذلك.

التجديدات الوحيدة : العدد الإجمالي للنواب زاد من 95 إلى 146، دون مبررات سياسية و لا خصوصا مالية؛ وإمكانية تعدد المأموريات ؛ و زيادة مدة الدورات البرلمانية ؛ وإقرار عدد من المساعدين البرلمانيين، بصفة عشوائية وبدون احترام أي منطق، الخ...

يمكن – و مازال ذلك يحتاج إلى تدقيق- تبرير بعض هذه التدابير، مثل النسبية، لأنها قد تؤدي إلى تنوع التمثيل الوطني، إلا أن ذلك  لا يغير شيئا كبيرا في جوهر الأمور.


بالنسبة لأحزابنا وحركاتنا  العشر، يجب أن توضع المدونة الانتخابية باعتبار إعادة تأسيس شاملة لنظام الدولة وانسجاما مع الإصلاحات الأساسية التي أدخلت عليه.

ولا يمكن أن يتم ذلك بالارتجال أو على طريقة الهزل، لأن الأمر يحتاج إلى تجربة محققة و رؤية شمولية لا تتأتى إلا لأصحاب الاختصاص في المجال.

وهذا يعني أن وضعها يجب أن ينتج عن تحديد الخيارات الدستورية الكبرى و اعتبار العديد من العوامل، من أهمها سوسيولوجيا الشعب ، والتوزيع الديموغرافي للسكان، وضبط المواقع الجغرافية للمجموعات عن طريق إعادة تقطيع انتخابي معقول، و الإكراهات الاقتصادية والمالية... الخ.


4. النقل السلمي للسلطة ومكانة ودور الجيش

إن الوقاية من التغييرات الغير دستورية للأنظمة لم ترد هنا، فيما يبدو، إلا من أجل إبقاء محمد ولد عبد العزيز في رئاسة الدولة، و تحذير زملائه العسكريين (قد أعذر من أنذر!) بأن عهد الانقلابات العسكرية - الذي ضرب جيشنا فيه رقما قياسيا مؤسفا في إفريقيا و العالم العربي - قد ولى منذ الآن.

إنه على الشركاء في الحوار و "الديمقراطي" عزيز نفسه، أن يتذكروا دائما أن عزيز هو المدبر الرسمي لانقلابين عسكريين (2005 و 2008) ، و أنه، بين هذين التاريخين،  حاك انقلابا "دستوريا".
أما كان أجدر بالرئيس أن يقبل، باقتراح منه هو نفسه أو بطلب من شركائه في الحوا، وحرصا على تفادي الثورات الدموية و إرساء ديمقراطية حقيقية، إما بمغادرة الحكم بصفة سلمية عن طريق تنظيم مرحلة انتقالية جديدة أو على الأقل الدعوة إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها يتعهد بعدم الترشح إليها؟
إن أحزابنا و حركاتنا تناهض بطبيعة الحال التغييرات غير السلمية للسلطة و سبق للبعض منها أن طالب بتجريم تلك الممارسات و جعلها لا تتقادم  و حظر أي ترشح لمنصب انتخابي على مرتكبيها و شركائهم مدى الحياة.
وكان من المناسب أيضا، دون إدخال إجراء دستوري أو قانوني يكرس رجعيته، أن يضمن هذا الترتيب لا حدا جزائيا و لكن إجراء من شأنه معاقبة الوجود الحالي لضابط انقلابي عدة مرات على رأس الدولة. 

و من جهة أخرى، فإن الوثيقة الختامية للحوار لم تتطرق حتى إلى إصلاح المؤسسات الأمنية الوطنية في حين أن منع التغييرات غير الدستورية للحكم يتطلب أيضا إعادة تنظيم الجيش ( إلغاء كتيبة الأمن الرئاسي Basep) وإعادة تحديد مكانة ودور القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني في الساحة السياسية.

5.  "الحكم الرشيد وحياد ومهنية الإدارة"
فيما يخص مهنية الإدارة، فإن العبارات الثلاث فقط التي أتت في الوثيقة الختامية تستحضر "الترقية الداخلية" و "الفصل بين وظيفتي الآمر بالصرف والمحاسب" والاستفادة من "مزايا معينة" لمدة أدنى"لصالح "الموظفين الذين شغلوا مناصب عليا. "

تلك هي التدابير التي اقترحها "الحوار الوطني" في موضوع إصلاح شامل لنظامنا الإداري، مع أن هذا الأخير يعاني، كما هو معلوم، من اختلالات هيكلية، و انعدام للرؤية في المدى المتوسط ​​والطويل، و غياب قدرات التنظيم عن طريق التبادل الداخلي للمعلومات والتحليل و المتابعة، وعدم تناسق القوانين والنظم  مع الدستور التعددي، وأخيرا، انعدام سياسة حكيمة لإدارة التدرج المهني للموظفين، و الاستفادة المعقلنة من المهارات، و تحفيز الوكلاء عن طريق الرواتب، و مكافأة الاستحقاق ومعاقبة الأخطاء. لا توجد(لدى المتحاورين) فيما يبدو إرادة لجعل إدارتنا إدارة للتنمية.

أما بالنسبة لضمان الحياد السياسي للدولة، للسلطات الإقليمية، وكبار موظفي الدولة، ومديري المؤسسات العمومية وشركات الدولة، فلا أثر له تحت هذا العنوان. ومع ذلك، فهذا هو مكمن المشكلة العويصة لوجود جهاز دولة محايد في خدمة الجميع من جهة  وتكافئ الفرص الحقيقي في المنافسات الانتخابية مهما كان قرب المتنافسين من السلطة القائمة من جهة أخرى.  

6. التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب

هنا، يكتفي "الحوار الوطني" بعبارات غامضة  لا تقدم خطوة في قضية في حجم الحرب على الإرهاب الذي يشكل تهديدا حقيقيا للبلد و مواطنيه و ضيوفه ،  فلا شيء عن موضوع الحرب المغامرة المفروضة على جنودنا مخاطرة بحياتهم و التي لا تبدو الاعتبارات الوطنية أساسها ، ولا عن التدخل المسلح في أراض أجنبية دون إذن من البرلمان ولا تجسيد لتشاور مستمر مع هيئات التمثيل الوطني ؛ الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، مع أن الموضوع يتعلق بموت الأشخاص يوميا وتعريض البلاد لأخطار  يبدو أن النظام لا يدرك مداها و لا تأثيراتها على سلامة مواطنينا و على بقاء بلدنا.
***
وفي الختام، و كما عبرنا عن شعورنا بذلك منذ البداية برفضنا المشاركة في حوار بدون ممهدات وبدون مغزى يضمن إمكانية التناوب السلمي على الحكم، فقد شاهدنا الآن "خدعة" جديدة دبرها نظام محمد ولد عبد العزيز، الهدف منها، كما كان الحال بالنسبة لاتفاق داكار، إيقاع المعارضة في فخ، هذه المرة من أجل تقسيمها والنيل من مصداقيتها، وتضليل رأي عام  معظمه محبط بفعل شعبوية وديماغيوجية النظام، و خداع مجتمع دولي  يحتاج مزيدا من التعرف على حقائق الشأن الوطني و على كل حال فله اليوم ما يشغله عن موريتانيا.
و مهما يكن، وفي ضوء التجربة الأخيرة، أية مصداقية يمكننا إعطاؤها لنتائج حوار تبقى ترجمتها إلى أفعال من اختصاص النظام الحالي وحده، مهما كانت تلك النتائج؟
إن الأطراف العشرة التي تشكل الآن منسقية المعارضة الديمقراطية، وهي تستخلص النتائج الحالية، لتعبر عن تصميمها على ما يلي  :

1. احصرها نشاطها السياسي المعارض في إطار القانون و في ظل الديمقراطية والمبادئ المستمدة منها؛
2. تلاحمها مع الشعب و حمل همومه و قضاياه و الدفاع عنها بكل الوسائل و دعوته لوعي المخاطر التي تمر بها البلاد و ضرورة التعبئة ضد الدكتاتورية و الفساد.

3. التطوير السلمي لمعارضة حازمة ومتعدد الأشكال من أجل إحداث تغيير في بلادنا يؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية، وإرساء دولة الحق و القانون، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل وحدة الأمة، والتماسك الاجتماعي والسلم الأهلي ؛

4.  دعوة المجتمع الدولي الموقع على اتفاق داكار والضامن أخلاقيا له، لمساعدة بلادنا سياسيا واقتصاديا حتى تتمكن من التغلب على الأزمة الخطيرة والمتعددة الأبعاد التي تتخبط فيها بفعل حكامها الحاليين.

(تحليل اعدته منسقية المعارضة لنتائج الحوار الذي جرى ما بين 17 سبتمبر و 19 أكتوبر 2011 بين الأغلبية الرئاسية ، وثلاثة أحزاب من منسقية المعارضة الديمقراطية وتعليق عليها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق